في مقاله لـ "يو أوبزرفر"، يروي الكاتب كيف وقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى جانب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في قمة "السلام من أجل غزة" بشرم الشيخ، أمام كاميرات العالم وقادة أوروبا، مثل إيمانويل ماكرون وأورسولا فون دير لاين، ليقول بثقة: "مصر خالية من الجريمة تقريبًا، نظامها قوي."
كانت تلك العبارة أكثر من مجاملة دبلوماسية؛ كانت تزكية علنية لنموذج الحكم القائم على السيطرة لا على العدالة، ورسالة موجهة إلى الحلفاء الغربيين الذين يرون في القاهرة شريكًا أساسيًا لإدارة ملف الهجرة ومكافحة الإرهاب. لكن وراء صورة "الأمان" التي باعها ترامب والسيسي يقبع واقع من الخوف والقمع الممنهج.
يظهر الواقع من خلال الأرقام لا التصريحات. فبحسب مرصد العنف القائم على النوع الاجتماعي في مصر، سُجّلت عام 2020 وحده 415 جريمة ضد النساء والفتيات، بين قتل واغتصاب وضرب وابتزاز إلكتروني، بينما تضاعفت الحالات في النصف الثاني من العام مع قيود الجائحة. كما أظهرت المسوح الديموغرافية أن نحو 29% من النساء المتزوجات تعرّضن للعنف الأسري، وأن 15% من النساء في الفئة العمرية 15 إلى 49 سنة واجهن عنفًا جسديًا أو جنسيًا من الشريك خلال عام واحد.
في الفضاء العام، تبدو الأرقام أكثر فزعًا: 63% من النساء قلن إنهن تعرضن للتحرش في الشوارع والأماكن العامة، بينما ترتفع النسبة إلى 90% بين الشابات. دراسة تابعة للأمم المتحدة كشفت أن 99.3% من النساء المصريات واجهن شكلًا من أشكال التحرش، و91% لا يشعرن بالأمان في الأماكن العامة.
خارج نطاق العنف الأسري، تواجه مصر شبكات معقدة من الاتجار بالبشر والعمل القسري والفساد الإداري، تعمل جميعها في ظلال من انعدام الشفافية. لكن الجرائم الأشد فداحة هي تلك التي يرتكبها النظام نفسه: الاعتقالات العشوائية، الإخفاء القسري، التعذيب، والمحاكمات الصورية. الصحفيون والمحامون والنشطاء يُسجنون بتهم “نشر أخبار كاذبة” أو “الإضرار بالأمن القومي”، واللاجئات يتعرضن لانتهاكات جنسية في مراكز الاحتجاز دون تحقيقات جادة.
يُظهر المقال أن ما يسميه ترامب "قوة" هو في الحقيقة "صمت مفروض". فالحياة المدنية تخضع لرقابة دائمة، والإعلام المستقل يُقمع أو يُغلق، والمنظمات الأهلية تُجبر على التسجيل ضمن قوانين خانقة. تغيب المسافة بين الدولة والمواطن، ويصبح الصمت هو وسيلة النجاة الوحيدة.
في ظل هذا النظام، يُجرَّم النقد، وتُعاقب التغريدة أو التقرير بالسجن، ويحل الحبس الاحتياطي الطويل محل المحاكمة العادلة. هكذا يتحول "النظام القوي" إلى دولة أمنية تخنق مواطنيها باسم النظام، ويغدو غياب الجريمة مجرد نتيجة منطقية للخوف. يسمي المصريون هذا النمط من "الأمان" بسخرية: سلام المقابر.
وراء كل رقم حكاية لا يريد النظام أن تُروى. فبيانات الطب الشرعي تظهر أن معظم جرائم قتل النساء يرتكبها الأزواج أو الأقارب. في مناسبات عامة كتنصيب السيسي عام 2014، شهدت مصر حادثة اعتداء جماعي في ميدان التحرير، كُشفت للحظة ثم اختفت خلف خطاب وطني يُقدّس الصورة على الحقيقة.
التحرش اليومي في الشوارع والمواصلات والأسواق يمر بلا عقاب، واللاجئات من السودان وإريتريا يعانين ضعف العنف في ظل غياب الحماية القانونية. في كل زاوية من الحياة — من البيت إلى السجن — يتكرر النمط ذاته: العنف يزدهر حين تموت المحاسبة.
في القسم الأخير، يحذر المقال من أن الاتحاد الأوروبي يتحول من شريك للسلام إلى ممول للقمع، بعد أن وافق على حزمة مساعدات لمصر بقيمة 7.4 مليارات يورو تحت شعار "الاستقرار وإدارة الهجرة". يسأل الكاتب: أي استقرار هذا إن كان ثمنه إسكات الناس؟ أوروبا، التي تفخر بأنها تدافع عن القيم الديمقراطية، تجد نفسها تدفع مقابل استمرار نظام يبني سلطته على الخوف.
يؤكد المقال أن السلام الحقيقي لا يولد من الصمت بل من العدالة، وأن الاستقرار الذي يفرضه الرعب هشّ بطبيعته. الدولة التي تخاف من المساءلة لا تستحق الاحترام، والمواطن الذي يخاف من الكلام لا يعيش في أمان. إن الهدوء الذي يراه الزائر من بعيد ليس دلالة طمأنينة، بل صوت الفراغ بعد أن خمدت الأصوات.
وحين يقول ترامب إن مصر خالية من الجريمة، يتساءل الكاتب بسخرية مرة وألم مرة أخرى: أي جريمة يقصد؟ تلك التي لا تُسجَّل أم تلك التي يُعاقَب ضحاياها؟ وهل القوة التي يمتدحها هي حقًا دليل استقرار — أم أنها مجرد قدرة النظام على جعل الحقيقة جريمة؟
https://euobserver.com/eu-and-the-world/ar953fd940